Tafsir at-Thabary
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْحَسَنَة الَّتِي ذَكَرَ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ . يَعْنِي بِذَلِكَ : وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول : رَبّنَا أَعْطِنَا عَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَعَافِيَة فِي الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3077 – حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّازِق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة } قَالَ : فِي الدُّنْيَا عَافِيَة , وَفِي الْآخِرَة عَافِيَة . قَالَ قَتَادَة : وَقَالَ رَجُل : اللَّهُمَّ مَا كُنْت مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَة فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا ; فَمَرِضَ مَرَضًا حَتَّى أَضْنَى عَلَى فِرَاشه , فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنه , فَأَتَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقِيلَ لَهُ : إنَّهُ دَعَا بِكَذَا وَكَذَا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إنَّهُ لَا طَاقَة لِأَحَدٍ بِعُقُوبَةِ اللَّه , وَلَكِنْ قُلْ : { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار } ” فَقَالَهَا , فَمَا لَبِثَ إلَّا أَيَّامًا أَوْ يَسِيرًا حَتَّى بَرَأَ . 3078 – حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن الْحَكَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوب , قَالَ : ثني حُمَيْد , قَالَ : سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول : عَادَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا قَدْ صَارَ مِثْل الْفَرْخ الْمَنْتُوف , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” هَلْ كُنْت تَدْعُو اللَّه بِشَيْءٍ , أَوْ تَسْأَل اللَّه شَيْئًا ؟ ” قَالَ : قُلْت : اللَّهُمَّ مَا كُنْت مُعَاقَبِي بِهِ فِي الْآخِرَة فَعَاقِبْنِي بِهِ فِي الدُّنْيَا . قَالَ : ” سُبْحَان اللَّه هَلْ يَسْتَطِيع أَحَد أَنْ يُطِيقهُ ! فَهَلَّا قُلْت : اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة , وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة , وَقِنَا عَذَاب النَّار ! ” . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى اللَّه عَزَّ وَجَلّ بِالْحَسَنَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : فِي الدُّنْيَا : الْعِلْم وَالْعِبَادَة , وَفِي الْآخِرَة : الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3079 – حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ الْحَسَن : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة } قَالَ : الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا : الْعِلْم وَالْعِبَادَة , وَفِي الْآخِرَة : الْجَنَّة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار } قَالَ : الْعِبَادَة فِي الدُّنْيَا , وَالْجَنَّة فِي الْآخِرَة . 3080 – حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن وَاقِد الْعَطَّار , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة } قَالَ : الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا : الْفَهْم فِي كِتَاب اللَّه وَالْعِلْم . 3081 – حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان الثَّوْرِيّ يَقُول هَذِهِ الْآيَة : { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة } قَالَ : الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا : الْعِلْم وَالرِّزْق الطَّيِّب , وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة : الْجَنَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا : الْمَال , وَفِي الْآخِرَة : الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2082 – حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار } قَالَ : فَهَؤُلَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ . 3083 – حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة } هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ ; أَمَّا حَسَنَة الدُّنْيَا فَالْمَال , وَأَمَّا حَسَنَة الْآخِرَة فَالْجَنَّة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ قَوْم مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ , مِمَّنْ حَجّ بَيْته , يَسْأَلُونَ رَبّهمْ الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا , وَالْحَسَنَة فِي الْآخِرَة , وَأَنْ يَقِيهِمْ عَذَاب النَّار . وَقَدْ تَجْمَع الْحَسَنَة مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلّ الْعَافِيَة فِي الْجِسْم وَالْمَعَاش وَالرِّزْق وَغَيْر ذَلِكَ وَالْعِلْم وَالْعِبَادَة . وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَلَا شَكَّ أَنَّهَا الْجَنَّة , لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَنَلْهَا يَوْمئِذٍ فَقَدْ حُرِمَ جَمِيع الْحَسَنَات وَفَارَقَ جَمِيع مَعَانِي الْعَافِيَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلّ لَمْ يَخُصّ بِقَوْلِهِ مُخْبِرًا عَنْ قَائِل ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْحَسَنَة شَيْئًا , وَلَا نَصَبَ عَلَى خُصُوصه دَلَالَة دَالَّة عَلَى أَنَّ الْمُرَاد مِنْ ذَلِكَ بَعْض دُون بَعْض , فَالْوَاجِب مِنْ الْقَوْل فِيهِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يَخُصّ مِنْ مَعَانِي ذَلِكَ شَيْء , وَأَنْ يَحْكُم بِعُمُومِهِ عَلَى مَا عَمَّهُ اللَّه . وَأَمَّا قَوْله : { وَقِنَا عَذَاب النَّار } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : اصْرِفْ عَنَّا عَذَاب النَّار , يُقَال مِنْهُ : وَقَيْته كَذَا أَقِيه وِقَايَة وَوَاقِيَة وَوِقَاء مَمْدُودًا , وَرُبَّمَا قَالُوا : وَقَاك اللَّه وَقْيًا : إذَا دَفَعْت عَنْهُ أَذَى أَوْ مَكْرُوهًا .
Filed under: Du'a Double Hasanah | Tagged: du'a, tafsir, thabary | Leave a comment »